تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) قرآن كريم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الاولين والاخرين ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ) . أما بعد : فهذا الكتاب يتناول مسائل من الفقه الاسلامي مقرونة بأدلتها من صريح الكتاب وصحيح السنة ، ومما أجمعت عليه الامة . وقد عرضت في يسر وسهولة ، وبسط واستيعاب لكثير مما يحتاج إليه المسلم ، مع تجنب ذكر الخلاف إلا إذا وجد ما يسوغ ذكره فنشير إليه . وهو بهذا يعطي صورة صحيحة للفقه الاسلامي الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ، ويفتح للناس باب ألفهم عن الله ورسوله ، ويجمعهم على الكتاب والسنة ، ويقضي على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب ، كما يقضي على الخرافة القائلة : بأن باب الاجتهاد قد سد . وهذه محاولات أردنا بها خدمة ديننا ، ومنفعة إخواننا نسأل الله أن ينفع بها ، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل
تمهيد
رسالة الاسلام وعمومها والغاية منها أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ، والشريعة الجامعة التي تكفل للناس الحياة الكريمة المهذبة والتي تصل بهم إلى أعلى درجات الرقي والكمال . وفي مدى ثلاثة وعشرين عاما تقريبا ، قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس إلى الله ، تم له ما أراد من تبليغ الدين وجمع الناس عليه . عموم الرسالة ولم تكن رسالة الاسلام رسالة موضعية محددة ، يختص بها جيل من الناس دون جيل ، أو قبيل دون قبيل ، شأن الرسالات التي تقدمتها ، بل كانت رسالة عامة للناس جميعا إلى أن يرث الارض ومن عليها ، لا يختص بها مصر دون مصر ، ولا عصر دون عصر . قال الله تعالى : ( تبارك الله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 1 ) ) وقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) ( 2 ) وقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ، الذي له ملك السموات والارض ، لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ( 3 ) وفي الحديث الصحيح : ( كان كل نبي يبعث في قومه خاصة ، وبعثت إلى كل أحمر وأسود ) .
( 1 ) الاية 1 من سورة الفرقان . ( 2 ) الاية 28 من سورة سبأ . ( 3 ) الاية 158 من سورة الاعراف
ومما يؤكد عموم هذه الرسالة وشمولها ما يأتي : 1 - أنه ليس فيها ما يصعب على الناس اعتقاده ، أو يشق عليهم العمل به قال الله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ( 1 ) وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( 2 ) وقال تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( 3 ) وفي البخاري من حديث أبي سعيد المقبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) .
( 1 ) ( 1 ، 2 ) من سورة البقرة . ( 3 ) بعض من آية 78 من سورة الحج
وفي مسلم مرفوعا : ( أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ) . 2 - أن ما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان ، كالعقائد والعبادات ، جاء مفصلا تفصيلا كاملا ، وموضحا بالنصوص المحيطة به ، فليس لاحد أن يزيد فيه أو ينقص منه ، وما يختلف باختلاف الزمان والمكان ، كالمصالح المدنية ، والامور السياسية والحربية ، جاء مجملا ، ليتفق مع مصالح الناس في جميع العصور ، ويهتدي به أولو الامر في إقامة الحق والعدل . 3 - أن كل ما فيها من تعاليم إنما يقصد به حفظ الدين ، وحفظ النفس وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال ، وبدهي أن هذا يناسب الفطر وبساير العقول ، ويجاري التطور ويصلح لكل زمان ومكان . قال الله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون . قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والاثم والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 4 ) ) وقال جل شأنه : ( ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ، ويؤت ون الزكاة ، والذين هم بآياتنا يؤمنون . الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم ( هامش ) ( 4 ) سورة الاعراف آية 32 - 33 في التوراة والانجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، وأولئك هم المفلحون ) ( 1 ) .
( 1 ) سورة الاعراف . بعض آية 156 وآية 157 .
الغاية منها والغاية التي ترمي إليها رسالة الاسلام ، تزكية الانفس وتطهيرها عن طريق المعرفة بالله وعبادته ، وتدعيم الروابط الانسانية وإقامتها على أساس الحب والرحمة والاخاء والمساواة والعدل ، وبذلك يسعد الانسان في الدنيا والاخرة ، قال الله سبحانه ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم ، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ( 2 ) وقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 3 ) ) . وفي الحديث : ( أنا رحمة مهداة ) .
( 2 ) سورة الجمعة الاية 2 . ( 3 ) سورة الانبياء الاية 107 . ( . )
التشريع الاسلامي أو : الفقه والتشريع الاسلامي ناحية من النواحي الهامة التي انتظمتها رسالة الاسلام ، والتي تمثل الناحية العملية من هذه الرسالة . ولم يكن التشريع الديني المحض - كأحكام العبادات - يصدر إلا عن وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، من كتاب أو سنة ، أو بما يقره عليه من اجتهاد . وكانت مهمة الرسول لا تتجاوز دائرة التبليغ والتبيين ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ) ( 4 ) .
( 4 ) سورة النجم الايتان 3 ، 4 . ( . )
أما التشريع الذي يتصل بالامور الدنيوية ، ومن قضائية وسياسية وحربية ، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشاورة فيها ، وكان يرى الرأي فيرجع عنه لرأي أصحابه ، كما وقع في غزوة بدر وأحد ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليه صلى الله عليه وسلم يسألونه عما لم يعلموه ، ويستفسرونه فيما خفي عليهم من معاني النصوص ، ويعرضون عليه ما فهموه منها ، فكان أحيانا يقرهم على فهمهم ، وأحيانا يبين لهم موضع الخطأ فيما ذهبوا إليه . والقواعد العامة التي وضعها الاسلام ، ليسير على ضوئها المسلمون هي : 1 - النهي عن البحث فيما لم يقع من الحوادث حتى يقع ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم ، وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم عفا الله عنها ، والله غفور حكيم ) ( 1 ) وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى عن الاغلوطات ، وهي المسائل التي لم تقع . 2 - تجنب كثرة السؤال وعضل المسائل ، ففي الحديث : ( إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) وعنه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) وعنه أيضا : ( أعظم الناس جرما ، من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته ) . 3 - البعد عن الاختلاف والتفرق في الدين ، قال الله تعالى : ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة ) ( 2 ) وقال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ( 3 ) ) . وقال تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ذيحكم ) ( 4 ) وقال تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ ( 5 )