حين يصبح الوطن حقيبة ويغدو الفلسطيني فيه مسافراً
الكاتب علاء الريماوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل القرار الإسرائيلي بالترحيل حيز التنفيذ أمس وترقبت وسائل الإعلام جديداً تلتقطه الشاشات ، إسرائيل ردت على أن القرار هو في الصالح الفلسطيني وأن الضجة غير مبررة ، المؤلم في المشهد هو التعاطي مع الأحداث فلسطينياً وعربياً ، القرار رغم خطورته وألمه تنفذه إسرائيل على الأرض منذ زمن ، المشكلة هي أن تنفيذ إسرائيل لمخططاتها يتم من غير ضجيج ، ما نلتقطه ونعقب عليه ما ينشر إسرائيليا ، لكن ما يجري في الظلام لا نراه وهو برأيي لا يقل خطراً عن قرار الترحيل .
إسرائيل وفي السنوات الثلاث الماضية عمدت إلى سحب الهويات المقدسية من أصحابها ورحلت الآلاف من الأسر التي يكون أحد الزوجين أصله من الضفة الغربية ، وضاح عزيز والمتزوج من قرية دبوريا في مناطق 48 قبل أيام يأتيه قرار من محكمة العدل العليا الإسرائيلية تبلغه الرحيل من داخل الخط الأخضر ، القرار سينفذ في غضون 48 ساعة و بالقوة . وضاح والذي يسكن منذ 15 عاما ً مع أسرته البالغة من ستة أطفال أسقط في يديه ، منزله وعمله وأولاده ومدارسهم هناك ، التحدي للقرار ليس له معنا ، قبل سنة من القرار جاءه ضباط الشرطة الإسرائيلية وأوسعوه ضربا وألقوه في مناطق الضفة الغربية ، الحالة النفسية التي يعانيها كبيرة وهو يجهز نفسه لقرار الخروج من منطقة سكناه والعيش في الضفة دون أسرته خوف فقدان وثائق المواطنة ، المشكل الحقيقي الذي يواجهه وضاح ومن هم في شاكلته أنهم يواجهون قرارات الاحتلال وحدهم ولا يوجد من المؤسسات من يمد لهم يد العون .
وليوسف الأوزبكي قرار مماثل جاء لزوجته عبر محكمة الاحتلال والذي يقضي بترحيلها في غضون أربعين يوماً ، الأم الساكنة في ضواحي القدس تحطم لديها مستقبل لم يستقر ، الأب يخاف مستقبل أولاده الذين سيفقدون وثائقهم إن تبعوا والدتهم ، وفي المقابل لا يستطيع الأطفال الاستغناء عن الأم ، الحيرة تقتل الأسرة . في إطلاعي على حيثيات المحكمة والتي تذرعت بأن من أقارب الزوجة من تم اعتقاله في الأمد البعيد ووالدها من الوجوه الاجتماعية الفاعلة هذه الوصفة السحرية لقررات الترحيل ، يوسف يخاف كابوس أخوه الأصغر أسامة و الذي يعيش اليوم من غير بطاقة هوية أو أي من الوثائق التي تثبت شخصيته ، بحيث أن إسرائيل لا تعتبره مواطناً والسلطة لا تجد له رقماً وطنيا لتعتبره من مواطنيها ، الشاب يعاني معضلة في زواجه وترحاله وعمله لذلك يبقى حبيس البيت . تبعد جامعة القدس التي يدرس فيها عن مكان سكنه كيلو متر ، في كثير أحيانه كان يصادفه الجند و يعتقلوه ويوسعوه ضرباً وبعد ساعات يلقونه على مفترقات الطرق أمه تعيش حالة إعياء كبير من الضغط والسكري نتيجة هذا الحال . الإحصائيات الأخيرة تفيد أن أكثر من سبعة آلاف مواطن فقدوا بطاقات المواطنة وحق السكن في القدس ، وأكثر من سبعة آلاف طردوا وأسرهم من داخل الخط الأخضر بسبب أن أحد الوالدين لا يمتلك حق الإقامة ، ما يقارب 14 ألف مواطن في السنتين الماضيتين أصبح مستقبلهم في المجهول ، بيوتهم عرضة للمصادرة وأطفالهم من غير وطن ، يسافرون بحثاً عن ظل يسمونه سكن وحين يتعبون يتكئون على حلم يرونه بعيدا ً ، هذا الوصف لحالتهم ليس مبالغة تضامن بل هو قليل يمكن أن يصف واقع الحياة التي يعيشون .
إسرائيل في كل اليوم تصنع حرباً منفصلة على جبهة مغايرة ، الجبهات المشتعلة مع إسرائيل لا تجد غير الضعفاء في مواجهتها ، الحالة هذه وقانون الأمس ومصير القدس ونكبة الاستيطان ، وجرح الانقسام ، لست ادري اليوم من نقف لنناديه كي يصلح الحال ويعد للمواجهة ، خوفي أن يصدق العالم أن دولة فلسطين التي ينتظر العالم ولادتها العام القادم ستتصدى لكل ذلك ، عندها سيصدق فينا المثل (إلي بدري بدري ولا ما بدري بقول كف عدس ).